محمّلة بأعباء اقتصادية مصر تسير نحو انتخابات رئاسية

فتح إعلان مصر موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية، في ديسمبر المقبل، الباب أمام تساؤلات حول تأثير الوضع الاقتصادي المتدهور على المشهد، إذ يعتقد خبراء أن التوقيت يرتبط بحزمة قرارات اقتصادية صعبة ستضطر مصر لاتخاذها مطلع عام 2024.

وفرضت أزمة الغلاء وارتفاع نسب التضخم على الساحة في الشارع المصري الآن، إذ أصبح المصريون يتداولون تدهور الوضع الاقتصادي في أحاديثهم اليومية وعلى وسائل الإعلام وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي.

وترى وكالة “بلومبيرغ” أنه تم تحديد موعد التصويت في الانتخابات الرئاسية في وقت أبكر مما كان متوقعا، موضحة أن النظام في مصر يواجه ضغوطا لخفض قيمة الجنيه، واتخاذ خطوات أخرى لإنهاء الأزمة الاقتصادية وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي.

وذكرت الوكالة أن خطط الحكومة تغيرت في الأسابيع الأخيرة، لأنه حتى وقت قريب كان من المتوقع على نطاق واسع ألا يتم إجراء الانتخابات حتى الأشهر القليلة الأولى من العام المقبل، خاصة أن وسائل الإعلام الحكومية المصرية عادة ما كانت تشير إلى أن الانتخابات ستُجرى في عام 2024.

ما سبب الجدل حول موعد الانتخابات؟

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة فرايبورغ الألمانية، سليم عبد الفتاح، لموقع “الحرة” إن “النظام الحالي في مصر يدرك تقلص شعبيته في الفترة الأخيرة نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والإنفاق على مشاريع بدون جدوى فعلية، فضلا عن فشله في إدارة الملفات التي تتعلق بالأمن القومي وعلى رأسها ملف سد النهضة”.

وأضاف أنه مع زيادة نسب التضخم وارتفاع الديون الخارجية بشكل كبير وعجز الميزانية، وما أتبع ذلك من ارتفاع شديد في أسعار جميع المنتجات والسلع والخدمات، لم تتبق حلول أمام السلطة الحاكمة سوى اتخاذ المزيد من القرارات الاقتصادية التي “ستخنق الشعب المصري بشكل أكبر وعلى رأسها تخفيض قيمة الجنيه وزيادة الفائدة”.

ويشير عبد الفتاح إلى تواجد “ديون خارجية على مصر تقدر بـ165 مليار دولار، وهي مطالبة خلال شهر سبتمبر بسداد 240 مليون دولار لصندوق النقد الدولي، ولديها التزامات تجاه الصندوق أقساط وفوائد تقارب مليار و450 مليون دولار، ويجب سدادها خلال ثلاثة أشهر”.

وأوضح أن “رهان النظام الحالي على الانتخابات الرئاسية ليس في محله، خاصة أنه لم يأت منذ البداية باختيار شعبي ديمقراطي، وأزمة الشارع لا تتعلق بالسياسة ومجرياتها، بل بما يعيشونه يوميا من تدهور اقتصادي واجتماعي”.

ويرى عبد الفتاح أن “الانتخابات تتعلق بصورة النظام دوليا ليس إلا، خاصة أنه لم يتم طرح أي رؤية اقتصادية مغايرة عن السابق حتى الآن”.

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية أن “الجزء الكبير من أزمة مصر الاقتصادية الحالية، بجانب سوء القرارات، يكمن في تضارب المصالح”.

وأوضح أنه “على سبيل المثال، فشل النظام في التخارج من الاقتصاد والالتزام ببرنامج الخصخصة الذي وضعه صندوق النقد كأحد شروطه للقرض المقدم إلى مصر، جاء بسبب تمسك قيادات من الجيش بإدارة وامتلاك العديد من الشركات الاقتصادية، والرئيس الحالي لمصر لا يريد إغضاب المؤسسة العسكرية”.

ويتوقع عبد الفتاح “عزوف الشارع المصري عن هذه الانتخابات خاصة مع عدم توفر مرشحين أقوياء ومع عدم سماح النظام الحالي بظهور وجوه مؤثرة”.

وقال رئيس هيئة الانتخابات في مؤتمر صحفي، الإثنين، إن الانتخابات الرئاسية ستُجرى من 10 إلى 12 ديسمبر، أي قبل قرابة أربعة أشهر من انتهاء الولاية الحالية للرئيس، عبدالفتاح السيسي، مطلع أبريل المقبل، وفقا لموقع الهيئة العامة للاستعلامات.

ولم يعلن بعد الرئيس المصري، الذي يتولى السلطة في البلاد منذ عام 2014، عزمه الترشح لولاية ثالثة إلا أنه أمر شبه مؤكد، وفقا لوكالة “فرانس برس” .

وفي عام 2014، حقق السيسي، الذي كان وزيرا للدفاع آنذاك، فوزا ساحقا متوقعا في الانتخابات الرئاسية، وفاز بنسبة 96.9 بالمئة من الأصوات، وكن نسبة الامتناع عن المشاركة بلغت 53 بالمئة، بحسب وكالة “فرانس برس”.

وفي مارس من عام 2018، أعيد انتخاب السيسي لولاية ثانية بأكثر من 97 بالمئة من الأصوات، في انتخابات استُبعد فيها المنافسون الحقيقيون، أو فضلوا الابتعاد.

وقال الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، يحيى عبدالسلام، لموقع “الحرة” إن  “الاقتصاد المصري يعاني من تداعيات سنوات من الأزمات والهزات الأمنية، تلتها جائحة كورونا وتأثيرات الحرب الأوكرانية، خاصة مع اعتماد مصر على روسيا وأوكرانيا في استيراد القمح، إلى جانب العدد الكبير من السياح من البلدين، الذين كانوا يزورونها”.

وتعاني مصر التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، تحت وطأة الحرب بين أوكرانيا وروسيا، الموردَين الرئيسيَين لها في مجال الحبوب.

وأضاف عبدالسلام أن “الظروف العالمية بداية من كوفيد-19 أثرت بشكل كبير على الاقتصاد المصري، مثلما حدث في العديد من دول العالم، وتحديدا أوروبا التي لا تزال تعاني من ارتفاع مستويات التضخم والغلاء حتى اليوم”.

وتابع أن “حكومة السيسي أقامت العديد من المشاريع التي تهدف لرفع مستوى المواطن البسيط ليعيش حياة كريمة، دون النظر إلى حجم العوائد المادية والربحية، أهمها الأسمرات والبشاير وأهالينا، وهذا أمر يُحسب للنظام”.

وأوضح أن العديد من المشاريع القومية التي بدأها النظام الحالي ستجني مصر ثمارها خلال الأعوام القليلة القادمة، من زيادة في معدلات التشغيل وانخفاض نسب البطالة ونمو الناتج المحلي، مشيرا إلى أن معدلات البطالة بالبلاد انخفضت بالفعل في الفترة الحالية.

ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في مايو الماضي، تباطأ معدل البطالة في مصر خلال الربع الأول من عام 2023 إلى 7.1 بالمئة مقارنة بـ 7.2 بالمئة خلال الربع الأخير من عام 2022.

كما يرى الخبير الاقتصادي أن الدولة تتكلف الكثير نتيجة دعم عدد من السلع والخدمات، وآخرها كانت توجيهات السيسي باتخاذ عدة إجراءات لتخفيف الأزمة على المواطن، في سبتمبر الجاري، منها زيادة علاوة “غلاء المعيشة الاستثنائية” وزيادة الحد الأدنى الإجمالي للدخل للدرجة السادسة لكل العاملين بالجهاز الإداري للدولة، ورفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة “25 في المئة”.

وأوضح أنه سيتم تمويل ذلك بـ 5 في المئة من احتياطي الموازنة، في محاولة لاحتواء “الأزمة”.

وتبلغ التكلفة التقديرية لتلك التوجيهات نحو 60 مليار جنيه سنويا (نحو 2 مليار دولار بحسب سعر الصرف الرسمي)، وفقا لتصريحات وزير المالية المصري، محمد معيط.

وفيما يتعلق بتوقيت الانتخابات الرئاسية، أشار عبدالسلام إلى أن “النظام أراد من خلال الانتخابات القادمة أن يؤكد تمسكه بالديمقراطية وأصوات الصندوق رغم أي شيء، لكن في الوقت ذاته، يتفق الجميع على أنه لابد من إنجاز هذه الخطوة حتى تتفرغ الدولة لحل مشاكلها الاقتصادية وجدولة ديونها”.

وأكد الخبير الاقتصادي أن “الرئيس السيسي، الذي لم يعلن ترشحه بعد رسميا، لا يزال يتمتع بشعبية ولديه ملايين المؤيدين ويرون أنه الخيار الطبيعي للفوز بالمنصب، فهو الشخص الأنسب لاستكمال خطط ومشروعات التنمية في مصر”.

ما مؤشرات مصر الاقتصادية؟

يعاني المصريون من تراجع قدرتهم الشرائية مع ارتفاع التضخم الذي سجل رقما قياسيا جديدا، في أغسطس، إذ بلغ حوالي 40 في المئة، ليصل بذلك إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في الشهرين السابقين، بعد أن فقد الجنيه المصري، منذ مارس عام 2022، حوالي 50 في المئة من قيمته أمام العملات الأجنبية، بحسب وكالة “رويترز”.

وجاء هذا التضخم مدفوعا بالزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والتي بلغت 71.4 بالمئة على أساس سنوي، وفقا لـ”رويترز”.

وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاعا سنويا بنسبة 15.2 في المئة في أسعار النقل، و23.6 في المئة بأسعار الملابس، و57.6 بالمئة في المشروبات الكحولية والدخان.

كما أوضحت رويترز أن سعر الجنيه المصري ثابت عند نحو 30.9 جنيه مقابل الدولار، منذ مارس، بينما يجري تداوله منذ شهور عند نحو 40 جنيها في السوق السوداء.

وقال محللون للوكالة إنه مع انخفاض أسعار الفائدة بشكل كبير عن معدل التضخم، فإن رفع سعر الفائدة في نهاية المطاف يبدو شبه مؤكد.

وتضاعفت ديون مصر الخارجية بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 165.4 مليار دولار هذا العام، والتي يتعين على مصر سدادها على مدى السنوات الخمس المقبلة، منها سندات ضخمة بقيمة 3.3 مليار دولار العام المقبل، وفقاً لأرقام وزارة التخطيط و”رويترز”.

وتنفق الحكومة أكثر من 40 بالمئة من إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون فقط، وفق وكالة “رويترز”.

وتضخّمت ديون مصر في ظل المشاريع الضخمة للسيسي، ودعم الدولة للعديد من المنتجات، بحسب “فرانس برس”.

وتعد مصر الآن واحدة من الدول الخمس الأكثر تعرضا لخطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية، وفقا لوكالة “موديز”.

وبعدما اعتمدت لسنوات على دعم من دول الخليج بشكل ودائع في البنك المركزي، تحاول القاهرة بيع أصول للدولة أو إطلاق مشاريع على أراضيها للمستثمرين الخليجيين الذين باتوا يقولون إنهم يريدون “عوائد على الاستثمار”، بحسب “فرانس برس”.

ومنذ عام 2017، حصلت مصر على أربعة قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة النقص في الدولار ودعم الموازنة، لكن ما زالت مؤشرات التعافي من الأزمة الاقتصادية سلبية.

وكان آخرها، العام الماضي، حين وافق الصندوق على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار حتى يتاح للحكومة المصرية تأمين مصادر تمويل أخرى أبرزها من البلدان الخليجية، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

ولم يصدر صندوق النقد مراجعته الأولى لبرنامج التمويل، والذي كان مقررا في مارس وتمنح على أساسه الشريحة الثانية من القرض.

وفي ظل محدودية النقد الأجنبي في البلاد، تراجعت أيضا تحويلات المصريين من الخارج، أكبر مصدر للعملة الصعبة في البلاد، إذ يلجأ العديد إلى السوق الموازية، بحسب “فرانس برس”.

وبحسب ما أفادت بيانات البنك المركزي المصري، فقد انخفضت التحويلات بنسبة 26.1 في المئة في الفترة بين يوليو 2022 ومارس 2023.

وشهد احتياطي القاهرة من النقد الأجنبي ارتفاعا بسيطا ليبلغ 34.9 مليار دولار حتى أغسطس، متضمنا ودائع خليجية بقيمة 28 مليار دولار، علما أنه لا يزال أقل بنحو سبعة مليارات دولار عما كان عليه قبل الحرب الأوكرانية، وفقا لـ”فرانس برس”.

وتقول وزارة المالية إن تمويل دعم المواد الغذائية، ومعظمه يذهب للخبز، سيرتفع 41.9 بالمئة إلى 127.7 مليار جنيه مصري (4.1 مليارات دولار) في السنة المالية من يوليو 2023 إلى يونيو 2024.

Leave a Comment